الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   مقالات  

حقوق و وجدان بقلم الدكتورة سناء شامي
August 28, 2023 10:16

مداخلة الدكتورة سناء الشامي في الحلقة النقاشية الدولية عن العمل النسوي العربي بين الرؤية الأكاديمية والممارسة النضالية التي عقدتها شبكة دراسات المرأة (صون) بالشراكة مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم الألكسو وبالتعاون مع مؤسسات بحثية ومراكز علمية أخرى في ايطاليا في السابع عشر من الشهر الحالي.

في السنوات الأخيرة وثقت منظمة العفو الدولية الهجمات الكارثية على المرأة على المستوى العالمي، و لا سيما بعد وباء الكوفيد فقد انتكست حقوق المرأة في الدول العربية و الأفريقية بسبب الفوضى و الحروب، في أفغانستان و أثيوبيا تعرضت نساء و فتيات للعنف الجنسي الجماعي، كما انسحبت تركيا من معاهدة إسطنبول التي تقر بمكافحة و منع العنف ضد المرأة... الإحصائيات تؤكد بأن النساء في أوربا تشغل نسبة منخفضة في مواقع صنع القرار و الأعمال الهامة و ما زلنا يتقاضين أجوراً منخفضة بنسبة 16% أقل من الرجال في جميع أنحاء أوربا، و ما زال العنف و التحرش الجنسي واسع الإنتشار حتى في داخل المنزل، في إيطاليا مثلاً، و خلال الأربع سنوات الأخيرة هناك أكثر من ستمئة امرأة قتلت، أي ما يعادل قتل امرأتين في اليوم الواحد!
هناك روايات حول المرأة عمرها قرون، خلفت قوالب نمطية و نماذج راسخة في كل فرد بما فيهم المرأة ذاتها، و هذا غالباً ما أثر على العمل الإجتماعي من خلال الممارسات السلوكية التي يتم تناقلها بمرور الزمن.
حوالي 750 ق.م أخبرنا الشاعر اليوناني عن أول إمرأة وصلت إلى كوكب الأرض، بعد أن خلقها زيوس ملك الآلهة و أسماها باندورا، و طلب منها حراسة صندوق يحتوي جميع الشرور المميتة في العالم، إلا إنها فتحته منهية بذلك السلام بين الرجال… ظلت صورة باندورا كائناً ثقافياً متكرراً في العديد من المذاهب تمَّ تناقله لقرون بين مختلف المجتمعات… لا أحد يعلم بالضبط كيف نشئ إضطهاد المرأة، و حسب رأي فأن نشأته مربوطة بولادة إستبداد الشعوب، إلا إننا لا نستوعب ذلك لأننا نعتقد بأن الإضطهاد مقتصر بين جنسين مختلفين، إلا إنه في الحقيقة حاضر في أغلب جوانب حياتنا ذكوراً و إناثاً، لكن رمزيته تأخذ شكلاً أكثر وضوحاً في طبيعة العلاقة بين الذكر و الأنثى: إن إضطهاد الرجل للمرأة يحمل في طياته بُعد سياسي و إجتماعي، الرجل أيضاً مضطهد في جميع المجتمعات و لا سيما العربية منها (عليه التملق للحاكم و الخضوع لجبروته، عليه وحده مسؤولية تأمين سبل العيش للعائلة و إلا يُنظر إليه على إنه غير مكتمل الرجولة، الزواج في مجتمعاتنا لمن يدفع مهر أكبر… الخ. إنها السلطة التي تحكم جميع العلاقات البشرية مهما كانت صغيرة أو كبيرة، و توجهها بما يناسب مصالحها، لذلك هذه السلطة رسمت دائماً و في جميع العصور شكل العلاقة بين المرأة و الرجل بما يخدم إستمراريتها، و حتى هذا اليوم ما زالت هذه السلطة تعمل على إخضاع الرجل و المرأة معاً، من خلال إخراج العلاقة من مسارها التاريخي و من دوائرها الحياتية التي تتمثل في الحياة الإجتماعية و أنماط الإنتاج و تشكيلات الإقتصاد السياسي،لتحصرها في أشكال عقائدية غير عادلة تجاه الرجل و غير منصفة تجاه المرأة، لأن السلطة من ولادتها لم تنظر للرجل و المرأة من منظار الحياة و بأنهما معاً إنسان واحد كل طرف يكمّل الآخر، بل نظرت دائماً إليهما من باب الجنس: جنس الأنثى مقابل جنس الذكر الأقوى عضلياً، و لأنه الأقوى جسدياً أعتمدت عليه في حماية وجودها و أقنعته بأن يقيد نصفه الآخر، ألا و هو المرأة، و بذلك تضمن عدم تمرد الأثنين معاً عليها: ففي عصر العبودية، السيد يملك كل شيئ، و بقية الناس رجالاً و نساءً و أطفالاً لا تملك إلا رمقها، و في أسواق النخاسة كانت تُباع الرجال و النساء و الأطفال حسب متطلبات السوق دون التمييز بين ذكر و أنثى، و كان الذكر و الأنثى يعملان جنباً إلى جنب لخدمة السيد أو السيدة، إذ كان هناك عبر التاريخ سيدات تملكن كل شيئ و تضطهدن الرجال و النساء و الأطفال الفقراء الذين يعملون لديها، و في ذلك العهد كان الإضطهاد الأكبر من نصيب الذكر، الذي كان يُحرم حتى من حقه في الزواج أو الإنجاب و يتم خصيه من أجل التفرغ فقط لخدمة سيدات القصور… و حتى في العصر البرجوازي - الرأسمالي و رغم التنوير، فقد كان البرجوازي و البورجوازية لا تميز في إستغلالها للإنسان بين رجل و إمرأة… إذاً بالنظر إلى الواقع المعيشي اليوم و مثيله في العهود القديمة، نلاحظ بأن الإضطهاد لم يكن نتيجة الفارق الجنسي بين الرجل و المرأة، لا بسبب الفارق الطبقي الذي هو نتاج المنظومة السياسية للسلطة…
مثلاً إضطهاد المرأة الإيرانية اليوم ناتج عن مجلس الشورى الإيراني الذي حتى الآن لم يوقع على قانون منع العنف ضد المرأة و على قانون منع زواج الفتيات دون الثلاثة عشر عاماً، و هناك رجال و نساء إيرانيين يطالبون بهذا الحق، إذاً تعنيف المرأة نابع من النظام السياسي.
في الغرب منذ سنوات طويلة انتشرت العبودية الجنسية، فالشوارع و دور الدعارة تعج ببنات الهوى، و أيضاً في الواجهات التجارية تصطف أجساد فتيات عاريات للبيع و للآجار مثل أية سلعة تجارية، و القوانين لا تمنع ذلك باسم الحرية الشخصية، لدرجة أن الدولة سنت قوانين لحماية الدعارة و إعتبرتها مهنة كغيرها من المهن و إكتفت بجمع الضرائب منهم. يقول ماركس "إن التحرر الحقيقي للمرأة يكون من خلال تحرير المجتمع كاملة" الدفاع عن العبد لا يعني التحرر من العبودية. سلطة الإستبداد إستغلت كل ما يتعلق بإنسانية البشر و وظفته لخدمتها، إبتداءً من الدين مروراً بعلاقة الرجل مع المرأة، و ذلك حسب منطقها الأبدي، فرّق تسد. اليوم في الغرب "المتحضر" هناك إمرأة إسمها أورسولا ڤون دير لاين، و هي رئيسة المفوضية الأوربية، نائبها رجل إسمه فرانس تيمّرمانس… يمثلان معاً مصالح الرأسمالية الأوربية و يعملان حنباً لجنب لتعميق المذبحة الطبقية بإسم الإتحاد الأوربي، و التأثير السلبي لتلك المذبحة الطبقية في تزايد في عالم العمل و الطبقات الوسطى داخل و خارج أوربا، دون أن تميز بين رجل و إمرأة لأن الفقراء بالنسبة لسلطة الإستبداد يتشابهون.
أيضاً
 



  عدد المشاهدات:

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: